(The Turkish Post) – لقدس المحتلة- حمل قرار وكالة التصنيف الائتماني الدولية “موديز” خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى المستوىإي2 (A2) مع نظرة مستقبلية سلبية، في طياته كثيرا من الرسائل التي توحي بعمق الأزمة العاصفة بالاقتصاد الإسرائيلي بسبب الحرب على قطاع غزة، والتوقعات باتساع العجز التراكمي بالموازنة العامة، وارتفاع أعباء الدين بإسرائيل.
ووصفت الوكالة قرارها بـ”نظرة مستقبلية سلبية” لخفض التصنيف، مما قد يؤدي إلى خفض آخر للتصنيف، إذا تدهور الوضع الأمني والجيوسياسي والاقتصادي لإسرائيل، بسبب الحرب على غزة أو في حال اندلعت حرب شاملة على الحدود اللبنانية مع حزب الله.
وفي أبريل/نيسان 2023، خفضت وكالة “موديز” توقعاتها لتصنيف إسرائيل من “إيجابي” إلى “مستقر”، بسبب الخوف من تداعيات التعديلات في الجهاز القضائي التي شرعت بها الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، والاحتجاجات التي تلت ذلك.
حرب حارقة لاقتصاد إسرائيل
ومن المتوقع أن يؤدي التخفيض -وهو الأول من نوعه منذ إدراج إسرائيل بالتصنيف الائتماني في العام 1998- إلى:
زيادة سعر الفائدة على القروض التي تضطر إسرائيل إلى الحصول عليها بسبب الحرب المستمرة على الجبهة الجنوبية، وعدم الاستقرار الأمني على الجبهة الشمالية.
ويأتي القرار في وقت بلغت فيه ديون الحكومة الإسرائيلية نحو 1.08 تريليون شيكل (294.2 مليار دولار) نهاية الربع الثالث من عام 2023، ويبدو أنها ارتفعت منذ ذلك الحين، نتيجة القروض وجمع الأموال لاحتياجات الحرب، حيث جمعت وزارة المالية الإسرائيلية 125 مليار شيكل (35 مليار دولار)، من خلال إصدارات السندات العامة في الخارج بالعملة الأجنبية.
وبحسب تقديرات المراسلين والمحللين الاقتصاديين، فإن آثار حرب غزة على الوضع الائتماني لإسرائيل ستمتد لفترة طويلة، وربما إلى ما هو أبعد من فترة القتال الفعلي، وقد يتبين أن التأثير السلبي على المؤسسات الإسرائيلية والتمويل العام هو أكثر خطورة من ذلك بكثير.
يعكس التصنيف الائتماني لإسرائيل زيادة المخاطر الاجتماعية والسياسية المرتبطة بالصراع الحالي على الجبهتين الجنوبية والشمالية والحالة الأمنية الضعيفة في إسرائيل، واعتبارات حكومة نتنياهو بكل ما يتعلق في استمرار القتال وموقفها الضبابي بشأن اليوم التالي للحرب.
ضغوط كبيرة على إسرائيل
لم يفاجئ خفض التصنيف رئيس الوزراء وكبار المسؤولين في وزارة المالية الإسرائيلية، يقول مراسل الشؤون الاقتصادية لصحيفة يديعوت أحرونوت غاد ليئور: “حيث حاولوا منع قرار التخفيض وتحدثوا إلى الاقتصاديين في وكالة التصنيف”.
ولفت إلى أن نتنياهو حاول إقناع وكالة التصنيف أن اقتصاد إسرائيل مستقر وأنه لم يحدث قط أنه كانت حالة لم تقم فيها إسرائيل بسداد الديون في الوقت المحدد أو أنها لم تخرج بسرعة من أزمة اقتصادية، كما حدث بالخروج الفوري من الصعوبات الاقتصادية خلال أزمة جائحة كورونا.
وأشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية تجزم بأن خفض التصنيف ليس له علاقة بالاقتصاد، بل يرجع بالكامل إلى حقيقة أن إسرائيل تشن حربا على غزة، وهو ما تعتبره الحكومة ورقة ضغط دولية إضافية على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء القتال.
مخاوف وضرر
أوضح غاد ليئور أن وزارة المالية الإسرائيلية تبدي مخاوف من مغبة أن تقوم شركتا التصنيف الرئيسيتان الأخريان، “ستاندرد آند بورز” و”فيتش”، بتخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل قريبا في حال استمرت الحرب على غزة، وتصاعد التوتر الأمني لمواجهة شاملة مع حزب الله على الجبهة الشمالية.
ومن المرجح -يقول مراسل الشؤون الاقتصادية- أن ينخفض التصنيف أكثر “إذا تصاعد الوضع في الشمال إلى صراع واسع النطاق مع حزب الله”، الذي سيتضمن أيضا تأثيرا سلبيا أكبر على البنية التحتية وقدرة الاقتصاد الإسرائيلي على التعافي.
ومن المتوقع أن يتراجع التصنيف الائتماني لإسرائيل بشكل أكبر إذا لوحظ تراجع في أداء وقدرات المؤسسات الإسرائيلية، خاصةً مع استمرار الحاجة إلى توظيف الموارد للرد الأمني والعمل الحربي. وسيؤدي ذلك إلى زيادة احتمالية حدوث أضرار اقتصادية أو مالية على المدى المتوسط، تتجاوز توقعات وكالة موديز الحالية.
عجز وتعاف
القراءة ذاتها استعرضها مراسل صحيفة “كلكليست” الاقتصادية أدريان فيلوت، الذي أكد أن قرار تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل يعود إلى تداعيات حرب غزة على الاقتصاد الإسرائيلي، وكذلك إلى انعدم وجود خطة واضحة للحكومة الإسرائيلية لمستقبل غزة بعد انتهاء القتال.
وأوضح فيلوت أن خبراء وكالة “موديز” يؤكدون على الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتفسير الخطوة غير المسبوقة لخفض تصنيف إسرائيل.
وقال إن “القرار شكل آخر من الضغوطات على إسرائيل للتوصل إلى اتفاق لوقف القتال على جبهة غزة، والعودة إلى الاستقرار الأمني، وتجنب مواجهة شاملة مع حزب الله”.
ويتضح من القرار، يقول فيلوت، أن “وكالة موديز تشكك في قدرة القيادة الإسرائيلية الحالية على إدارة اليوم التالي والتعافي من القتال والخروج من الأزمة الاقتصادية، بسبب التكلفة الباهظة للحرب التي عمت بشكل غير مسبوق عجز الموازنة العامة”.
ولفت إلى أن وكالة “موديز” لم تصدق رواية وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ونتنياهو اللذين حاولا إيصال رسالة مفادها أن ميزانيتي 2023 و2024 المحدثتين “مسؤولتان”، ويمكنهما إنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي والدفع به نحو التعافي والخروج من الأزمة.
فجوة وضربة
إن تخفيض التصنيف الائتماني -يقول المحلل الاقتصادي لصحيفة “دي ماركر” آفي فاكسمان- هو “في المقام الأول ضربة لصورة إسرائيل ومكانتها في الأسواق العالمية، حيث لا يزال من الصعب تحديد مدى تداعيات القرار وآثاره المالية على إسرائيل”.
وعلى ما يبدو -يضيف فاكسمان- أن “شراء سندات الدين لأي دولة ينخفض تصنيفها يصبح أقل جاذبية للمستثمرين، حيث يطالبون بمعدل فائدة أعلى على أموالهم. وإذا كان الأمر كذلك، فإن خفض التصنيف سيجعل نفقات الفائدة على الحكومة الإسرائيلية عالية، بل أكثر تكلفة”.
ويعتقد أن قرار خفض التصنيف يلزم الحكومة الإسرائيلية بزيادة إصدارات سندات الدين لتمويل العجز بالموازنة العامة -الفجوة بين إيرادات الحكومة ونفقاتها- الذي قفز إلى 4.8% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، وهو العجز التراكمي في آخر 12 شهرا، بينما من المتوقع أن يصل إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي نهاية 2024.
ومع ذلك، يقول المحلل الاقتصادي نفسه إن “الضرر الاقتصادي للحرب، أو على الأقل السيناريو الأكثر ترجيحا لتطورها، ينعكس بالفعل في سعر الفائدة الذي يتعين على الحكومة دفعه عندما تجند وتقترض الأموال في الخارج، وسط المخاوف بشأن إصدار سندات قابلة للتداول في أسواق رأس المال الدولية، من أجل تمويل أنشطتها والمخاوف بشأن سداد القروض”.